فصل: تفسير الآية رقم (234)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏233‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ مَرَاضِعَ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِمْ إِذَا أَبَتْ أُمَّهَاتُهُمْ أَنْ يُرْضِعْنَهُمْ بِالَّذِي يُرْضِعْنَهُمْ بِهِ غَيْرُهُنَّ مِنَ الْأَجْرِ، أَوْ مِنْ خِيفَةِ ضَيْعَةٍ مِنْكُمْ عَلَى أَوْلَادِكُمْ بِانْقِطَاعِ أَلْبَانِ أُمَّهَاتِهِمْ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي اسْتِرْضَاعِهِنَّ، إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ‏}‏، خِيفَةَ الضَّيْعَةِ عَلَى الصَّبِيِّ، “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ‏}‏، إِنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ‏:‏ “لَا طَاقَةَ لِي بِهِ فَقَدْ ذَهَبَ لَبَنِي “ فَتُسْتَرْضَعُ لَهُ أُخْرَى‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا بَعْدَ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ، وَيُسَلِّمَانِ، وَيُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ تَعَاسَرُوا عِنْدَ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ فِي الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَرَاضِعَ‏.‏ فَإِنْ قَبِلَ مُرْضِعًا جَازَ ذَلِكَ وَأَرْضَعَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ مُرْضِعًا فَعَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ بِالْأَجْرِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لِعَصَبَتِهِ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا لِعَصَبَتِهِ، أُكْرِهَتْ عَلَى رَضَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏، إِذَا أَبَتِ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا رَضِيَتِ الْوَالِدَةُ أَنْ تَسْتَرْضِعَ وَلَدَهَا، وَرَضِيَ الْأَبُ أَنْ يَسْتَرْضِعَ وَلَدَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا جُنَاحٌ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ‏:‏ “إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ“‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتُمْ لِأُمَّهَاتِهِمْ مَا فَارَقْتُمُوهُنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ عَلَى رَضَاعِهِنَّ، بِحِسَابِ مَا اسْتَحَقَّتْهُ إِلَى انْقِطَاعِ لَبَنِهَا أَوِ الْحَالِ الَّتِي عُذِرَ أَبُو الصَّبِيِّ بِطَلَبِ مُرْضِعٍ لِوَلَدِهِ غَيْرِ أُمِّهِ، وَاسْتِرْضَاعِهِ لَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ حِسَابُ مَا أُرْضِعَ بِهِ الصَّبِيُّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، حِسَابُ مَا يُرْضَعُ بِهِ الصَّبِيُّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، إِنْ قَالَتْ- يَعْنِي الْأُمَّ-‏:‏ “لَا طَاقَةَ لِي بِهِ، فَقَدْ ذَهَبَ لَبَنِي“، فَتُسْتَرْضَعُ لَهُ أُخْرَى، وَلْيُسَلَّمْ لَهَا أَجْرُهَا بِقَدْرِ مَا أَرْضَعَتْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ-يَعْنِي لِعَطَاءٍ-‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ أُمُّهُ وَغَيْرُهَا ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتَ لَهَا أَجْرَهَا “مَا آتَيْتُمْ“، قَالَ‏:‏ مَا أَعْطَيْتُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتُمْ لِلِاسْتِرْضَاعِ، عَنْ مَشُورَةٍ مِنْكُمْ وَمِنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِكُمِ الَّذِينَ تَسْتَرْضِعُونَ لَهُمْ، وَتَرَاضٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُنَّ بِاسْتِرْضَاعِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَشُورَةٍ وَرِضَا مِنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏:‏ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا أَوْلَادَهُمَا- يَعْنِي أَبَوَيِ الْمَوْلُودِ- إِذَا سَلَّمَا وَلَمْ يَتَضَارَّ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَشُورَةٍ وَرِضَا مِنْهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ إِلَى الَّتِي اسْتَرْضَعْتُمُوهَا بَعْدَ إِبَاءِ أُمِّ الْمُرْضَعِ، مِنَ الْأُجْرَةِ، بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتُمْ إِلَى هَذِهِ الَّتِي تَسْتَأْجِرُونَ أَجْرَهَا بِالْمَعْرُوفِ- يَعْنِي‏:‏ إِلَى مَنِ اسْتُرْضِعَ لِلْمَوْلُودِ، إِذَا أَبَتِ الْأُمُّ رَضَاعَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ “تَأْوِيلُهُ‏:‏ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ إِلَى تَمَامِ رَضَاعِهِنَّ، وَلَمْ تَتَّفِقُوا أَنْتُمْ وَوَالِدَتُهُمْ عَلَى فِصَالِهِمْ، وَلَمْ تَرَوْا ذَلِكَ مِنْ صَلَاحِهِمْ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوهُمْ ظُؤُورَةً، إِنِ امْتَنَعَتْ أُمَّهَاتُهُمْ مِنْ رَضَاعِهِمْ لِعِلَّةٍ بِهِنَّ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ إِذَا سَلَّمْتُمْ إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ وَإِلَى الْمُسْتَرْضَعَةِ الْآخِرَةِ حُقُوقَهُنَّ الَّتِي آتَيْتُمُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

يَعْنِي بِذَلِكَ الْمَعْنَى‏:‏ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ أَنْ يُوَفِّيهِنَّ أُجُورَهُنَّ عَلَى مَا فَارَقَهُنَّ عَلَيْهِ، فِي حَالِ الِاسْتِرْضَاعِ وَوَقْتِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ‏.‏

وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى بَعْضِهِ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَإِنَّمَا قَضَيْنَا لِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ قَبْلَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ‏}‏، أَمْرَ فِصَالِهِمْ، وَبَيَّنَ الْحُكْمَ فِي فِطَامِهِمْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا‏}‏، فِي الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا“‏.‏ فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِحُكْمِ الْآيَةِ- إِذْ كَانَ قَدْ بَيَّنَ فِيهَا وَجْهَ الْفِصَالِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ- أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَتْلُو ذَلِكَ حُكْمَ تَرْكِ الْفِصَالِ وَإِتْمَامِ الرَّضَاعِ إِلَى غَايَةِ نِهَايَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ- إِذْ كَانَ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ الْأُمِّ إِذَا هِيَ اخْتَارَتِ الرَّضَاعَ بِمَا يُرْضِعُ بِهِ غَيْرُهَا مِنَ الْأُجْرَةِ- أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَتْلُو ذَلِكَ مِنَ الْحُكْمِ، بَيَانَ حُكْمِهَا وَحُكْمِ الْوَلَدِ إِذَا هِيَ امْتَنَعَتْ مِنْ رَضَاعِهِ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الطَّلَاقِ‏:‏ 6‏]‏‏.‏ فَأَتْبَعَ ذِكْرَ بَيَانِ رِضَا الْوَالِدَاتِ بِرَضَاعِ أَوْلَادِهِنَّ، ذِكْرَ بَيَانِ امْتِنَاعِهِنَّ مِنْ رَضَاعِهِنَّ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ‏}‏‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏- مَا اخْتَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَرَضَ عَلَى أَبِي الْمَوْلُودِ تَسْلِيمَ حَقِّ وَالِدَتِهِ إِلَيْهَا مِمَّا آتَاهَا مِنَ الْأُجْرَةِ عَلَى رَضَاعِهَا لَهُ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْهُ، كَمَا فَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَنِ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ مَوْلِدِهِ بِسَبِيلٍ، وَأَمَرَهُ بِإِيتَاءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقَّهَا بِالْمَعْرُوفِ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ‏.‏ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ‏:‏ “إِذَا سَلَّمْتُمْ “ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتُمْ إِلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِكُمِ الَّذِينَ يُرْضِعُونَ حُقُوقَهُنَّ، بِأَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ‏:‏ إِذَا سَلَّمْتُمْ ذَلِكَ إِلَى الْمَرَاضِعِ سِوَاهُنَّ، وَلَا الْغَرَائِبُ مِنَ الْمَوْلُودِ، بِأَوْلَى أَنْ يَكُنَّ مَعْنِيَّاتٍ بِذَلِكَ مِنَ الْأُمَّهَاتِ إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى أَبِي الْمَوْلُودِ لِكُلِّ مَنِ اسْتَأْجَرَهُ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ، مِنْ تَسْلِيمِ أُجْرَتِهَا إِلَيْهَا مِثْلَ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِلْأُخْرَى‏.‏ فَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُحِيلَ ظَاهِرَ تَنْزِيلٍ إِلَى بَاطِنٍ، وَلَا نَقْلَ عَامٍّ إِلَى خَاصٍّ، إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا- فَصَحَّ بِذَلِكَ مَا قُلْنَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “بِالْمَعْرُوفِ“، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ بِالْإِجْمَالِ وَالْإِحْسَانِ، وَتَرْكِ الْبَخْسِ وَالظُّلْمِ فِيمَا وَجَبَ لِلْمَرَاضِعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏233‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏[‏233‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “وَاتَّقَوْا اللَّهَ“، وَخَافُوا اللَّهَ فِيمَا فَرَضَ لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الْحُقُوقِ، وَفِيمَا أَلْزَمَ نِسَاءَكُمْ لِرِجَالِكُمْ وَرِجَالَكُمْ لِنِسَائِكُمْ، وَفِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ لِأَوْلَادِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَتَعْتَدُوا- فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَحُقُوقِهِ- حُدُودَهُ، فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ عُقُوبَتَهُ “وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ “ مِنَ الْأَعْمَالِ، أَيُّهَا النَّاسُ، سِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا، وَخَفِيِّهَا وَظَاهِرِهَا، وَخَيْرِهَا وَشَرِّهَا “بَصِيرٌ“، يَرَاهُ وَيَعْلَمُهُ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَتَغَيَّبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَهُوَ يُحْصِي ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِخَيْرِ ذَلِكَ وَشَرِّهِ‏.‏

وَمَعْنَى “بَصِيرٌ“، ذُو إِبْصَارٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَى “مُبَصِرٌ“‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏234‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، مِنَ الرِّجَالِ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَيَمُوتُونَ، وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا، يَتَرَبَّصُ أَزْوَاجُهُنَّ بِأَنْفُسِهِنَّ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَيْنَ الْخَبَرُ عَنِ “الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ“‏؟‏

قِيلَ‏:‏ مَتْرُوكٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَ الْخَبَرِ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ الْخَبَرِ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ مِنَ الْعِدَّةِ فِي وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ، فَصَرَفَ الْخَبَرَ عَنِ الَّذِينَ ابْتَدَأَ بِذِكْرِهِمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ، إِلَى الْخَبَرِ عَنْ أَزْوَاجِهِمْ وَالْوَاجِبِ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْعِدَّةِ، إِذْ كَانَ مَعْرُوفًا مَفْهُومًا مَعْنَى مَا أُرِيدَ بِالْكَلَامِ‏.‏ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ‏:‏ “بَعْضُ جُبَّتِكَ مُتَخَرِّقَةٌ“، فِي تَرْكِ الْخَبَرِ عَمَّا ابْتُدِئَ بِهِ الْكَلَامُ، إِلَى الْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ أَسْبَابِهِ‏.‏ وَكَذَلِكَ الْأَزْوَاجُ اللَّوَاتِي عَلَيْهِنَّ التَّرَبُّصُ، لَمَّا كَانَ إِنَّمَا أَلْزَمَهُنَّ التَّرَبُّصَ بِأَسْبَابِ أَزْوَاجِهِنَّ، صَرَفَ الْكَلَامَ عَنْ خَبَرِ مَنِ ابْتُدِئَ بِذِكْرِهِ، إِلَى الْخَبَرِ عَمَّنْ قَصَدَ قَصْدَ الْخَبَرِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

لَعَـلِّيَ إِنْ مَـالَتْ بِـيَ الـرِّيحُ مَيْلـَةً *** عَـلَى ابْـنِ أَبِـي ذِبَّـانَ أَنْ يَتَنَدَّمَـا

فَقَالَ “لَعَلِّي“، ثُمَّ قَالَ‏:‏ “أَنْ يَتَنَدَّمَا“، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ لَعَلَّ ابْنُ أَبِي ذِبَّانَ أَنْ يَتَنَدَّمَ، إِنْ مَالَتْ بِي الرِّيحُ مَيْلَةً عَلَيْهِ فَرَجَعَ بِالْخَبَرِ إِلَى الَّذِي أَرَادَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدِ ابْتَدَأَ بِذِكْرِ غَيْرِهِ‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

أَلَـمْ تَعْلَمُـوا أَنَّ ابْـنَ قَيْسٍ وَقَتْلَـهُ *** بِغَـيْرِ دَمٍ، دَارُ الْمَذَلَّـةِ حُـلَّتِ

فَأَلْغَى “ ابْنُ قَيْسٍ “ وَقَدِ ابْتَدَأَ بِذِكْرِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ قَتْلِهِ أَنَّهُ ذُلُّ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ خَبَرَ “الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ “ مَتْرُوكٌ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا، يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَتَرَبَّصْنَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ‏.‏ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ “مَوْتَهُمْ“، كَمَا يُحْذَفُ بَعْضُ الْكَلَامِ- وَأَنَّ “يَتَرَبَّصْنَ “ رَفْعٌ، إِذْ وَقَعَ مَوْقِعَ “يَنْبَغِي“، و “يَنْبَغِي “ رَفْعٌ‏.‏ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي رَفْعِ “يَتَرَبَّصْنَ “ بِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ “يَنْبَغِي “ فِيمَا مَضَى، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ‏:‏ إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ “الَّذِينَ “ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ صَارَ الَّذِينَ فِي خَبَرِهِمْ مِثْلَ تَأْوِيلِ الْجَزَاءِ‏:‏ “مَنْ يَلْقَكَ مِنَّا تُصِبْ خَيْرًا “ الَّذِي يَلْقَاكَ مِنَّا تُصِيبُ خَيْرًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ هَذَا إِلَّا عَلَى مَعْنَى الْجَزَاءِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَفِي الْبَيْتَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَالَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ “يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ“، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ‏:‏ يَحْتَبِسْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ مُعْتَدَّاتٍ عَنِ الْأَزْوَاجِ، وَالطِّيبِ، وَالزِّينَةِ، وَالنُّقْلَةِ عَنِ الْمَسْكَنِ الَّذِي كُنَّ يَسْكُنَّهُ فِي حَيَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، إِلَّا أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِنَّ مِنَ التَّرَبُّصِ كَذَلِكَ إِلَى حِينِ وَضْعِ حَمْلِهِنَّ‏.‏ فَإِذَا وَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ حِينَئِذٍ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ مَا قُلْنَا فِيهِ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، فَهَذِهِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْعِدَّةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَيُحِلُّهَا مِنْ عِدَّتِهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِنِ اسْتَأْخَرَ فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشَرَةِ فَمَا اسْتَأْخَرَ، لَا يُحِلُّهَا إِلَّا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ عَنَى بـ “التَّرَبُّصِ “ مَا وَصَفْنَا، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُزَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَتُحَدِّثُ‏:‏ قَالَ أبُو كُرَيْبٍ‏:‏ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ‏:‏ عَنْأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً تُوفِّىَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَفْتِيهِ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لِقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَكُونُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا، فَتَمْكُثُ فِي بَيْتِهَا حَوْلًا إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَيَمُرُّ عَلَيْهَا الْكَلْبُ فَتَرْمِيهِ بِالْبَعْرَةِ‏!‏ أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏)‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ نَافِعًا، عَنْصَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِي عُبَيْدٍ‏:‏ أَنَّهَا سَمِعَتْ حَفْصَةَ ابْنَةَ عُمَرَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏)‏ قَالَ يَحْيَى‏:‏ وَالْإِحْدَادُ عِنْدَنَا أَنْ لَا تَطَّيَّبُ وَلَا تَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانَ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَزَّيَّنُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنْصَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةَ عُمَرَ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْج‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّزَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَأَخْبَرَتْهُ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَ-أَوْأُمِّ حَبِيبَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ ابْنَتَهَا تُوَفِّي عَنْهَا زَوْجُهَا، وَأَنَّهَا قَدْ خَافَتْ عَلَى عَيْنِهَا فَزَعَمَ حُمَيْدٌ عَنْزَيْنَبَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْر‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَزَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ، تُحَدِّثُ عَنْأُمِّ حَبِيبَةَأَوْأُمِّ سَلَمَةَأَنَّهَا ذَكَرَتْ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، وَهِيَ تُرِيدُ أَنْ تَكْحَلَ عَيْنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْر‏)‏ قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ يَزِيدُ، قَالَ يَحْيَى‏:‏ فَسَأَلْتُ حُمَيْدًا عَنْ رَمْيِهَا بِالْبَعْرَةِ، قَالَ‏:‏ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، عَمَدَتْ إِلَى شَرِّ بَيْتِهَا فَقَعَدَتْ فِيهِ حَوْلًا فَإِذَا مَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ أَلْقَتْ بَعْرَةً وَرَاءَهَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْزَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ‏:‏ إِنَّ ابْنَتِي مَاتَ زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَتَكْتَحِلُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ الْآنَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْر‏)‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا “تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ“‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانَ نِسَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ زَوْجُ إِحْدَاهُنَّ، لَبِسَتْ أَطْمَارَ ثِيَابِهَا، وَجَلَسَتْ فِي أَخَسِّ بُيُوتِهَا، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَخَذَتْ بَعْرَةً فَدَحْرَجَتْهَا عَلَى ظَهْرِ حِمَارٍ وَقَالَتْ‏:‏ قَدْ حَلَلْتُ‏!‏

حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْزَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَاأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَزَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ‏:‏ إِنَّ ابْنَتِي تُوَفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ خِفْتُ عَلَى عَيْنِهَا، وَهِيَ تُرِيدُ الْكُحْلَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ‏!‏ وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْر‏)‏ قَالَ حُمَيْدٌ‏:‏ فَقُلْتُلِزَيْنَبَ‏:‏ وَمَا رَأْسُ الْحَوْلِ‏؟‏ قَالَتْزَيْنَبُ‏:‏ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا هَلَكَ زَوْجُهَا، عَمَدَتْ إِلَى أَشَرِّ بَيْتٍ لَهَا فَجَلَسَتْ فِيهِ، حَتَّى إِذَا مَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ خَرَجَتْ، ثُمَّ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ وَرَاءَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة‏:‏ أَنَّهَا كَانَتْ تُفْتِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَنْ تُحِدَّ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا تَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَا مُعَصْفَرًا، وَلَا تَكْتَحِلَ بِالْإِثْمِدِ، وَلَا بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ وَإِنْ وَجِعَتْ عَيْنُهَا، وَلَكِنْ تَكْتَحِلُ بِالصَّبْرِ وَمَا بَدَا لَهَا مِنَ الْأَكْحَالِ سِوَى الْإِثْمِدِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، وَلَا تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَتَلْبَسُ الْبَيَاضَ وَلَا تَلْبَسُ السَّوَادَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا‏:‏ لَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَطَّيَّبُ، وَلَا تَبِيتُ عَنْ بَيْتِهَا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ تَجَلْبُبُ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ تُنْهَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَزَّيَّنَ وَتَطَّيَّبَ‏.‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمْتَشِطُ، وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ تَلْبَسَ الْبُرْدَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا أُمِرَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَرَبَّصَ بِنَفْسِهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ خَاصَّةً، فَأَمَّا عَنِ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَالْمَبِيتِ عَنِ الْمَنْـزِلَ، فَلَمْ تُنْهَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ تُؤْمَرْ بِالتَّرَبُّصِ بِنَفْسِهَا عَنْهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُرَخِّصُ فِي التَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ، وَلَا يَرَى الْإِحْدَادَ شَيْئً‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، لَمْ يَقُلْ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، وَلَمْ يَقُلْ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، فَلْتَعْتَدَ حَيْثُ شَاءَتْ‏.‏

وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، إِنَّمَا أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالتَّرَبُّصِ عَنِ النِّكَاحِ، وَجَعَلُوا حُكْمَ الْآيَةِ عَلَى الْخُصُوصِ وَبِمَا‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّلَمِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَا جَمِيعًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، ‏(‏عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ‏:‏ لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ تَسَلَّبِي ثَلَاثًا، ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْت‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ الصَّلْتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْأَسْمَاءَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنْ لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، إِنَّمَا هُوَ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ عَنِ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَتَرْكَ النُّقْلَةِ عَنْ مَنْـزِلِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ يَوْمَ تُوفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنَّهُمُ اعْتَلُّوا بِظَاهِرِ التَنْزِيلِ، وَقَالُوا‏:‏ أَمَرَ اللَّهُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنَّ تَرَبَّصَ بِنَفْسِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالتَّرَبُّصِ بِشَيْءٍ مُسَمَّى فِي التَنْزِيلِ بِعَيْنِهِ، بَلْ عَمَّ بِذَلِكَ مَعَانِيَ التَّرَبُّصِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرَبَّصَ بِنَفْسِهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مَا أَطْلَقَتْهُ لَهَا حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَالتَّرَبُّصُ عَنِ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَالنُّقْلَةِ، مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، كَمَا التَّرَبُّصُ عَنِ الْأَزْوَاجِ دَاخِلٌ فِيهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ بِالَّذِي قُلْنَا فِي الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، أَمَّا فِي النُّقْلَةِ فَإِنَّ‏:‏ أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ، ‏(‏عَن ْالْفُرَيْعَةِ ابْنَةِ مَالِكٍ، أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَتْ‏:‏ قُتِلَ زَوْجِي وَأَنَا فِي دَارٍ، فَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّقْلَةِ، فَأَذِنَ لِي‏.‏ ثُمَّ نَادَانِي بَعْدَ أَنْ تَوَلَّيْتُ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ يَافُرَيْعَةَ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَه‏)‏‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى تَرَبُّصِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، ‏[‏وَبَطَل‏]‏ مَا خَالَفَهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، بِخُرُوجِهِ عَنْ ظَاهِرِ التَنْزِيلِ وَالثَّابِتِ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْأَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ إِيَّاهَا بِالتَّسَلُّبِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَنْ تَصْنَعَ مَا بَدَا لَهَا- فَإِنَّهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنْ لَا حِدَادَ عَلَى الْمَرْأَةِ، بَلْ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا بِالتَّسَلُّبِ ثَلَاثًا، ثُمَّ الْعَمَلِ بِمَا بَدَا لَهَا مِنْ لِبْسِ مَا شَاءَتْ مِنَ الثِّيَابِ مِمَّا يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ لِبْسُهُ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ زِينَةً وَلَا مُطَيَّبًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ مَا لَيْسَ بِزِينَةٍ وَلَا ثِيَابِ تَسَلُّبٍ، وَذَلِكَ كَالَّذِي أَذِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَلْبَسَ مِنْ ثِيَابِ الْعَصْبِ وَبُرُودِ الْيَمَنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا مِنْ ثِيَابِ زِينَةٍ وَلَا مِنْ ثِيَابِ تَسَلُّبٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ كَلُّ ثَوْبٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صَبْغٌ بَعْدَ نَسْجِهِ مِمَّا يَصْبُغُهُ النَّاسُ لِتَزْيِينِهِ، فَإِنَّ لَهَا لِبْسُهُ، لِأَنَّهَا تَلْبَسُهُ غَيْرَ مُتَزَيِّنَةٍ الزِّينَةَ الَّتِي يَعْرِفُهَا النَّاسُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ وَعَشْرَةً‏؟‏ وَإِذْ كَانَ التَنْزِيلُ كَذَلِكَ‏:‏ أَفَبِاللَّيَالِي تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْعَشْرَ، أَمْ بِالْأَيَّامِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ بَلْ تَعْتَدُّ بِالْأَيَّامِ بِلَيَالِيهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ “وَعَشْرًا“‏؟‏ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ وَعَشْرَةً‏؟‏ وَالْعَشْرُ بِغَيْرِ “الْهَاءِ “ مَنْ عَدَدِ اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ‏؟‏ فَإِنْ جَازَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ مَا قُلْتُ، فَهَلْ تُجِيزُ‏:‏ “عِنْدِي عَشْرٌ“، وَأَنْتَ تُرِيدُ عَشَرَةٌ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ‏؟‏

قُلْتُ‏:‏ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ مِثْلُهُ فِي عَدَدِ بَنِي آدَمَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي خَاصَّةً، إِذَا أَبْهَمَتِ الْعَدَدَ، غَلَّبَتْ فِيهِ اللَّيَالِي، حَتَّى إِنَّهُمْ فِيمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُمْ لَيَقُولُونَ‏:‏ “صُمْنَا عَشْرًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ“، لِتَغْلِيبِهِمُ اللَّيَالِيَ عَلَى الْأَيَّامِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُمْ قَدْ جَرَى فِي ذَلِكَ بِاللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ‏.‏ فَإِذَا أَظْهَرُوا مَعَ الْعَدَدِ مُفَسِّرَهُ، أَسْقَطُوا مِنْ عَدَدِ الْمُؤَنَّثِ “الْهَاءَ“، وَأَثْبَتُوهَا فِي عَدَدِ الْمُذَكَّرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَاقَّةِ‏:‏ 7‏]‏، فَأَسْقَطَ “الْهَاءَ “ مِنْ “سَبْعِ “ وَأَثْبَتَهَا فِي “الثَّمَانِيَةِ“‏.‏

وَأَمَّا بَنُو آدَمَ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا اجْتَمَعَتِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، ثُمَّ أَبْهَمَتْ عَدَدَهَا‏:‏ أَنْ تُخْرِجَهُ عَلَى عَدَدِ الذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الذُّكْرَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْسُومٌ وَاحِدُهُمْ وَجَمْعُهُ بِغَيْرِ سِمَةِ إِنَاثِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُمْ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الذُّكُورَ مِنْ غَيْرِهِمْ رُبَّمَا وُسِمَ بِسِمَةِ الْأُنْثَى، كَمَا قِيلَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى “شَاةٌ“، وَقِيلَ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنَ الْبَقَرِ‏:‏ “بَقَرٌ“، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَمَا مَعْنَى زِيَادَةِ هَذِهِ الْعَشْرَةِ الْأَيَّامِ عَلَى الْأَشْهُرِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ، فِيمَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ لِمَ صَارَتْ هَذِهِ الْعَشْرُ مَعَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فِي الْعَشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ‏:‏ مَا بَالُ الْعَشْرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِيهِ يُنْفَخُ الرُّوحُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏234‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ فَإِذَا بَلَغْنَ الْأَجَلَ الَّذِي أُبِيحَ لَهُنَّ فِيهِ مَا كَانَ حُظِرَ عَلَيْهِنَّ فِي عِدَدِهِنَّ مِنْ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ- وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَدِهِنَّ، وَمُضِيِّ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَيَّامِ الْعَشْرَةِ “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ“، يَقُولُ‏:‏ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ-أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ- فِيمَا فَعَلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ حِينَئِذٍ فِي أَنْفُسِهِنَّ، مِنْ تَطَيُّبٍ وَتَزَيُّنٍ وَنُقْلَةٍ مِنَ الْمَسْكَنِ الَّذِي كُنَّ يَعْتَدِدْنَ فِيهِ، وَنِكَاحِ مَنْ يَجُوزُ لَهُنَّ نِكَاحُهُ “بِالْمَعْرُوفِ“، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُنَّ فِيهِ وَأَبَاحَهُ لَهُنَّ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ النِّكَاحَ خَاصَّةً‏.‏ وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “بِالْمَعْرُوفِ “ إِنَّمَا هُوَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَعْرُوفُ النِّكَاحُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ هُوَ النِّكَاحُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏:‏ ‏{‏فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِي نِكَاحِ مَنْ هَوِيَتْهُ، إِذَا كَانَ مَعْرُوفً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏234‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏234‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ “وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ“، أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ، فِي أَمْرِ مَنْ أَنْتُمْ وَلِيُّهُ مِنْ نِسَائِكُمْ، مِنْ عَضْلِهِنَّ وَإِنْكَاحِهِنَّ مِمَّنْ أَرَدْنَ نِكَاحَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِهِمْ، “خَبِيرٌ“، يَعْنِي ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا الرِّجَالُ، فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ، لِلنِّسَاءِ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ فِي عِدَدِهِنَّ، وَلَمْ تُصَرِّحُوا بِعَقْدِ نِكَاحٍ‏.‏

وَالتَّعْرِيضُ الَّذِي أُبِيحَ فِي ذَلِكَ، هُوَ مَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ “إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ“، و “إِنِّي لَأُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا وَأَمْرِهَا“، يُعَرِّضُ لَهَا بِالْقَوْلِ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ “إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ“‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ التَّعْرِيضُ مَا لَمْ يَنْصِبْ لِلْخِطْبَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ فِي جِنَازَةِ زَوْجِهَا‏:‏ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ‏!‏ قَالَتْ‏:‏ قَدْ سُبِقْتَ‏!‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ التَّعْرِيضُ، مَا لَمْ يَنْصِبْ لِلْخِطْبَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ لِلْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا‏:‏ “إِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ غَيْرَكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ“، و “لَوَدِدْتُ أَنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً صَالِحَةً“، وَلَا يَنْصِبُ لَهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُعَرِّضُ لَهَا فِي عِدَّتِهَا، يَقُولُ لَهَا‏:‏ “إِنْ رَأَيْتِ أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ هَيَّأَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ“، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ، فَلَا حَرَجَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا‏:‏ “إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ رَزَقَنِي امْرَأَةً“، وَنَحْوَ هَذَا، وَلَا يَنْصِبُ لِلْخِطْبَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ يَذْكُرُهَا إِلَى وَلِيِّهَا، يَقُولُ‏:‏ “لَا تَسْبِقْنِي بِهَا“‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ “إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّكَ لَنَافِقَةٌ، وَإِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ“‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ “لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ“‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قُالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ‏:‏ “إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّكِ لَنَافِقَةٌ، وَإِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يُعَرِّضُ لِلْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا فَيَقُولُ‏:‏ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّ النِّسَاءَ لَمِنْ حَاجَتِي، وَإِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ‏:‏ “إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ أَتَزَوَّجَ، وَإِنِّي إِنْ تَزَوَّجْتُ أَحْسَنْتُ إِلَى امْرَأَتِي“، هَذَا التَّعْرِيضُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ “لَأُعْطِيَنَّكِ، لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْكِ، لَأَفْعَلَنَّ بِكِ كَذَا وَكَذَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا يُعَرِّضُ بِالْخِطْبَةِ‏:‏ “وَاللَّهِ إِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي عَلَيْكِ لَحَرِيصٌ“، وَنَحْوَ هَذَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ‏:‏ “إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّكِ لَنَافِقَةٌ، وَإِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ كَيْفَ يَقُولُ الْخَاطِبُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يُعَرِّضُ تَعْرِيضًا، وَلَا يَبُوحُ بِشَيْءٍ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ “إِنَّ إِلَيَّ حَاجَةً، وَأَبْشِرِي، وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ نَافِقَةٌ“، وَلَا يَبُوحُ بِشَيْءٍ‏.‏ قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ وَتَقُولُ هِيَ‏:‏ “قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ“، وَلَا تَعِدُ شَيْئًا، وَلَا تَقُولُ‏:‏ “لَعَلَّ ذَاكَ“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَالرَّجُلُ يُرِيدُ خِطْبَتَهَا وَيُرِيدُ كَلَامَهَا، مَا الَّذِي يَجْمُلُ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ‏؟‏ قَالَ يَقُولُ‏:‏ “إِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي عَلَيْكِ لَحَرِيصٌ، وَإِنِّي بِكِ لَمُعْجَبٌ“، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ بِالْهَدِيَّةِ فِي تَعْرِيضِ النِّكَاحِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ قَالَ‏:‏ كَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُهْدِيَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ، إِذَا كَانَتْ مِنْ شَأْنِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ “إِنَّكِ لَنَافِقَةٌ، وَإِنَّكِ لَمُعْجِبَةٌ، وَإِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ “ وَإِنْ قَضَى اللَّهُ شَيْئًا كَانَ“‏.‏

حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولُ‏:‏ “إِنَّكِ لَمُعْجِبَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ“‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي- يَعْنِي شَبِيبًا- عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَأْخُذْ مِيثَاقَهَا أَلَّا تَنْكِحَ غَيْرَكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ، دُونَ أَنْ يَعْزِمَا عُقْدَةَ النِّكَاحِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، وَالتَّعْرِيضُ فِيمَا سَمِعْنَا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا‏:‏ “إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ، إِنَّكِ لَنَافِقَةٌ، إِنَّكِ لَتُعْجِبِينِي“، وَنَحْوَ هَذَا، فَهَذَا التَّعْرِيضُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ خَالَتِهِسُكَيْنَةَ ابْنَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَقَالَتْ‏:‏ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَا فِي عِدَّتِي، فَقَالَ‏:‏ يَا ابْنَةَ حَنْظَلَةَ، أَنَا مَنْ عَلِمْتِ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَقَّ جَدِّي عَلِيٍّ، وَقَدَمِي فِي الْإِسْلَامِ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، أَتَخْطِبُنِي فِي عِدَّتِي، وَأَنْتَ يُؤْخَذُ عَنْكَ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ أَوْ قَدْ فَعَلْتُ‏!‏ إِنَّمَا أُخْبِرُكِ بِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعِي‏!‏ قَدْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَمِّهَا أَبِي سَلَمَةَ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ لَهَا مَنْـزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مُتَحَامِلٌ عَلَى يَدِهِ، حَتَّى أَثَّرَ الْحَصِيرُ فِي يَدِهِ مِنْ شِدَّةِ تَحَامُلِهِ عَلَى يَدِهِ، فَمَا كَانَتْ تِلْكَ خِطْبَةً‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ عَرَّضَ لَهُنَّ بِالْخِطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِلْنَ، إِذَا كَنُّوا فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏‏:‏ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا‏:‏ “إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ سَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا“، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى “الْخِطْبَةِ“‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ “الْخِطْبَةُ “ الذِّكْرُ، و “الْخُطْبَةُ“‏:‏ التَّشَهُّدُ‏.‏

وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ، تَأَوَّلَ الْكَلَامَ‏:‏ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ عِنْدَهُنَّ‏.‏ وَقَدْ زَعَمَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ “لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا“، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ‏:‏ “وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ“، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ اذْكُرُوهُنَّ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ “خَطَبَهُ، خِطْبَةً وَخَطْبًا“‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ طَهَ‏:‏ 95‏]‏، يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ هَذَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا “الْخُطْبَةُ “ فَهُوَ الْمَخْطُوبُ ‏[‏بِهِ‏]‏، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَاخْتَطَبَ“‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ “وَالْخِطْبَةُ “ عِنْدِي هِيَ “الْفِعْلَةُ “مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “خَطَبْتُ فُلَانَةً “ كـ “الْجِلْسَةِ“، مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ “جَلَسَ “ أَوْ “الْقِعْدَةِ “ مِنْ قَوْلِهِ “قَعَدَ“‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ “خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةً“، سَأَلَهَا خَطْبَهُ إِلَيْهَا فِي نَفْسِهَا، وَذَلِكَ حَاجَتُهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “مَا خَطْبُكَ“‏؟‏ بِمَعْنَى‏:‏ مَا حَاجَتُكَ، وَمَا أَمْرُكَ‏؟‏

وَأَمَّا “التَّعْرِيضُ“، فَهُوَ مَا كَانَ مِنْ لَحْنِ الْكَلَامِ الَّذِي يَفْهَمُ بِهِ السَّامِعُ الْفَهِمُ مَا يُفْهَمُ بِصَرِيحِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ“، أَوْ أَخْفَيْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَأَسْرَرْتُمُوهُ، مِنْ خِطْبَتِهِنَّ، وَعَزْمِ نِكَاحِهِنَّ وَهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، إِذَا لَمْ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “أَكَنَّ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ فِي نَفْسِهِ، فَهُوَ يُكِنُّهُ إِكْنَانًا“، و “كَنَّهُ“، إِذَا سَتَرَهُ، “يَكُنُّهُ كَنًّا وَكُنُونًا“، و “جَلَسَ فِي الْكِنِّ “ وَلَمْ يُسْمَعْ “كَنَنْتُهُ فِي نَفْسِي“، وَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ “كَنَنْتُهُ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ“، إِذَا خَبَّأْتُهُ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الصَّافَّاتِ‏:‏ 49‏]‏، أَي مَخْبُوءٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

ثَـلَاثٌ مِـنْ ثَـلَاثٍ قُدَامَيَـاتٍ *** مِـنَ الْلَائِـي تَكُـنَّ مِـنَ الصَّقِيـعِ

و “تَكُنَّ “ بِالتَّاءِ، وَهُوَ أَجْوَدُ، و “يَكُنُّ“‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ “أَكَنَّتْهُ ثِيَابُهُ مِنَ الْبَرْدِ “ “وَأَكَنَّهُ الْبَيْتُ مِنَ الرِّيحِ“‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْإِكْنَانُ‏:‏ ذِكْرُ خِطْبَتِهَا فِي نَفْسِهِ، لَا يُبْدِيهِ لَهَا‏.‏ هَذَا كُلُّهُ حِلٌّ مَعْرُوفٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ يَدْخُلَ فَيُسَلِّمَ وَيُهْدِيَ إِنْ شَاءَ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ نِكَاحَهَا وَأَضْمَرْتَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، أَنْ يُسِرَّ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَوْذَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَسْرَرْتُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَفِي إِبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا أَبَاحَ مِنَالتَّعْرِيضِ بِنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِلَهَا فِي حَالِ عِدَّتِهَا وَحَظْرِهِ التَّصْرِيحَ، مَا أَبَانَ عَنِ افْتِرَاقِ حُكْمِ التَّعْرِيضِ فِي كُلِّ مَعَانِي الْكَلَامِ وَحُكْمِ التَّصْرِيحِ، مِنْهُ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ غَيْرُ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَأَنَّ الْحَدَّ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ لَوْ كَانَ وَاجِبًا وُجُوبَهُ بِالتَّصْرِيحِ بِهِ، لَوَجَبَ مِنَ الْجُنَاحِ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ، نَظِيرُ الَّذِي يَجِبُ بِعَزْمِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ فِيهَا‏.‏ وَفِي تَفْرِيقِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَيْنَ حُكْمَيْهَا فِي ذَلِكَ، الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى افْتِرَاقِ أَحْكَامِ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَ الْمُعْتَدَّاتِ فِي عِدَدِهِنَّ بِالْخِطْبَةِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَبِأَلْسِنَتِكُمْ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْخِطْبَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذِكْرُكَ إِيَّاهَا فِي نَفْسِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الْخِطْبَةُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى “السِّرِّ “ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنْ مُوَاعَدَةِ الْمُعْتَدَّاتِ بِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ الزِّنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ صَالِحٍ الدَّهَّانِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ الزِّنَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قَالَ‏:‏ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قَالَ‏:‏ الزِّنَا قِيلَ لِسُفْيَانَ التَّيْمِيِّ‏:‏ ذَكَرَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الْمُوَاعَدَةِ مِثْلَ قَوْلَةِ أَبِي مِجْلَزٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ وَعِمْرَانُ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا، عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قَالَ‏:‏ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قَالَ‏:‏ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قَالَ‏:‏ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْفَاحِشَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ السِّرُّ‏:‏ الزِّنَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ السِّرُّ‏:‏ الرِّيبَةُ‏.‏ كَانَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ مِنْ أَجْلِ الرِّيبَةِ وَهُوَ يُعَرِّضُ بِالنِّكَاحِ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ قَالَ مَعْرُوفًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ وجُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، لِلْفُحْشِ وَالْخَضْعِ مِنَ الْقَوْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الْفَاحِشَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ لَا تَأْخُذُوا مِيثَاقَهُنَّ وَعُهُودَهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ أَنْ لَا يَنْكِحْنَ غَيْرَكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تَقُلْ لَهَا‏:‏ “إِنِّي عَاشِقٌ، وَعَاهِدِينِي أَنْ لَا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي“، وَنَحْوَ هَذَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يُقَاضِهَا عَلَى كَذَا وَكَذَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ‏.‏ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ قَالُوا‏:‏ لَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا فِي عِدَّتِهَا، أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لِي عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَأْخُذْ مِيثَاقَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَأْخُذْ مِيثَاقَهَا فِي أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَأْخُذْ مِيثَاقَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَكَ، وَلَا يُوجِبُ الْعُقْدَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَأْخُذْ عَلَيْهَا مِيثَاقًا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تَوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ “أَمْسِكِي عَلَيَّ نَفْسَكِ، فَأَنَا أَتَزَوَّجُ “ وَيَأْخُذُ عَلَيْهَا عَهْدًا “لَا تَنْكِحِي غَيْرِي“‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ عَهْدَ الْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ، وَأَحَلَّ الْخِطْبَةَ وَالْقَوْلَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَى عَنِ الْفَاحِشَةِ وَالْخَضْعِ مِنَ الْقَوْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ، وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ تَوَاعِدَهَا سِرًّا عَلَى كَذَا وَكَذَا، “عَلَى أَنْ لَا تَنْكِحِي غَيْرِي“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَوْعِدَةُ السِّرِّ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَلَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنْ يَقُولَ لَهَا الرَّجُلُ‏:‏ “لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ“‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ‏:‏ “لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ، فَإِنِّي نَاكِحُكِ“، هَذَا لَا يَحِلُّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ‏:‏ “لَا تَفُوتِينِي“‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمُوَاعَدَةُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ “لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ“‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، أَنْ يَقُولَ‏:‏ “لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ“‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَا تَنْكِحُوهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ سِرًّا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَنْكِحُوهُنَّ سِرًّا، ثُمَّ تُمْسِكُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ أَظْهَرْتَ ذَلِكَ وَأَدْخَلْتَهَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ‏:‏ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا، ثُمَّ تُمْسِكُهَا، وَقَدْ مَلَكَتْ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا، فَإِذَا حَلَّتْ أَظْهَرْتَ ذَلِكَ وَأَدْخَلْتَهَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ‏:‏ “السِّرُّ“، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الزِّنَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْجِمَاعَ وَغَشَيَانَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ “سِرًّا“، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي خَفَاءٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ مُطَّلَعٍ عَلَيْهِ، فَيُسَمَّى لِخَفَائِهِ “سِرًّا“، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ‏:‏

فَعَـفَّ عَـنْ أَسْـرَارِهَا بَعْـدَ الْعَسَـقْ *** وَلَـمْ يُضِعْهَـا بَيْـنَ فِـرْكٍ وَعَشَـقْ

يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ عَفَّ عَنْ غَشَيَانِهَا بَعْدَ طُولِ مُلَازَمَتِهِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ‏:‏

وَيَحْـرُمُ سِـرُّ جَـارَتِهِمْ عَلَيْهِـمْ *** وَيَـأْكُلُ جَـارُهُمْ أَنْـفَ الْقِصَـاعِ

وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِكُلِّ مَا أَخْفَاهُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ‏:‏ “سِرًّا“‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ “هُوَ فِي سِرِّ قَوْمِهِ“، يَعْنِي‏:‏ فِي خِيَارِهِمْ وَشَرَفِهِمْ‏.‏

فَلَمَّا كَانَ “السِّرُّ “ إِنَّمَا يُوَجَّهُ فِي كَلَامِهَا إِلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَحَدَهُنَّ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏، وَهُوَ السِّرُّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْخِيَارِ وَالشَّرَفِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ، وَهُوَ “السِّرُّ “ الَّذِي بِمَعْنَى مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُ الْمُوَاعِدِ بَيْنَ الْمُتَوَاعِدِينَ، “وَالسِّرُّ “ الَّذِي بِمَعْنَى الْغَشَيَانِ وَالْجِمَاعِ‏.‏

فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُمَا، وَكَانَتِ الدَّلَالَةُ وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهِ، صَحَّ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ ‏[‏قَائِلٌ‏]‏‏:‏ فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مُوَاعَدَةَ الْقَوْلِ سِرًّا، غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهِ عَلَى مَا قَالَ مَنْ قَالَ إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَخْذُ الرَّجُلِ مِيثَاقَ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ، أَوْ عَلَى مَا قَالَ مَنْ قَالَ‏:‏ قَوْلُ الرَّجُلِ لَهَا‏:‏ “لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ“‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ “السِّرَّ “ إِذَا كَانَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِلُو ذَلِكَ، فَلَنْ يَخْلُوَ ذَلِكَ “السِّرُّ “ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُوَاعَدَةَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَمَسْأَلَتَهُ إِيَّاهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ أَوْ يَكُونَ هُوَ النِّكَاحُ الَّذِي سَأَلَهَا أَنْ تُجِيبَهُ إِلَيْهِ، بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَبَعْدَ عَقْدِهِ لَهُ، دُونَ النَّاسِ غَيْرَهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ “السِّرُّ “ الَّذِي نَهَى اللَّهُ الرَّجُلَ أَنْ يُوَاعِدَ الْمُعْتَدَّاتِ، هُوَ أَخْذُ الْعَهْدِ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يَنْكِحْنَ غَيْرَهُ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ “السِّرُّ “ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا أُخْفِيَ مِنَ الْأُمُورِ فِي النُّفُوسِ، أَوْ نُطِقَ بِهِ فَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ، وَصَارَتِ الْعَلَانِيَةُ مِنَ الْأَمْرِ سِرًّا‏.‏ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ فِي لُغَةِ مَنْ نَـزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِ‏.‏

إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ‏:‏ إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ الرِّجَالَ عَنْ مُوَاعَدَتِهِنَّ ذَلِكَ سِرًّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ، لَا أَنَّ نَفْسَ الْكَلَامِ بِذَلِكَ- وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْلِنَ- سِرٌّ‏.‏

فَيُقَالُ لَهُ إِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ جَائِزَةً مُوَاعَدَتُهُنَّ النِّكَاحَ وَالْخِطْبَةَ صَرِيحًا عَلَانِيَةً، إِذْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ الْمُوَاعَدَةِ، إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ مِنْهَا سِرًّا‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ‏.‏ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قِيلِ أَحَدٍ مِمَّنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ أَنَّ “السِّرَّ “ هَا هُنَا بِمَعْنَى الْمُعَاهَدَةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَ الْمُعَاهِدِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ‏.‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِسْرَارُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ بِالْمُوَاعَدَةِ‏.‏ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ، لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مُوَاعَدَتُهَا مُجَاهَرَةً وَعَلَانِيَةً‏.‏ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُحَرَّمًا سِرًّا وَعَلَانِيَةً، مَا أَبَانَ أَنَّ مَعْنَى “السِّرِّ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غَيْرُ مَعْنَى إِسْرَارِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ بِالْمُعَاهَدَةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ يَكُونُ، إِذَا بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ، مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ الْخِطْبَةُ وَالنِّكَاحُ الَّذِي وَعَدَتِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ أَنْ لَا تَعْدُوَهُ إِلَى غَيْرِهِ‏.‏ فَذَلِكَ إِذَا كَانَ، فَإِنَّمَا يَكُونُ بَوَلِيٍّ وَشُهُودٍ عَلَانِيَةً غَيْرَ سِرٍّ‏.‏ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى سِرًّا، وَهُوَ عَلَانِيَةٌ لَا يَجُوزُ إِسْرَارُهُ‏؟‏

وَفِي بُطُولِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلًا لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ بِمَا عَلَيْهِ دَلَّلْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ، وُضُوحُ صِحَّةِ تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْغَشَيَانِ وَالْجِمَاعِ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ لِلْمُعْتَدَّاتِ مِنْ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ، مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ حَاجَتُكُمْ إِلَيْهِنَّ، فَلَمْ تُصَرِّحُوا لَهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِنَّ، إِذَا أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَأَسْرَرْتُمْ حَاجَتَكُمْ إِلَيْهِنَّ وَخِطْبَتَكُمْ إِيَّاهُنَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، مَا دُمْنَ فِي عِدَدِهِنَّ‏;‏ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَ خِطْبَتَهُنَّ وَهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ، فَأَبَاحَ لَكُمُ التَّعْرِيضَ بِذَلِكَ لَهُنَّ، وَأَسْقَطَ الْحَرَجَ عَمَّا أَضْمَرَتْهُ نُفُوسُكُمْ-حُكْمٌ مِنْهُ- وَلَكِنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُوَاعِدُوهُنَّ جِمَاعًا فِي عِدَدِهِنَّ، بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ لِإِحْدَاهُنَّ فِي عِدَّتِهَا‏:‏ “قَدْ تَزَوَّجْتُكِ فِي نَفْسِي، وَإِنَّمَا أَنْتَظِرُ انْقِضَاءَ عِدَّتِكِ“، فَيَسْأَلُهَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ إِمْكَانَهُ مِنْ نَفْسِهَا الْجِمَاعَ وَالْمُبَاضَعَةَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، فَاسْتَثْنَى الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ، مِنْ مُوَاعَدَةِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ السِّرَّ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ قَبْلُ‏:‏ أَنْ يَأْتِيَ بِمَعْنًى خِلَافَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الصِّفَةِ خَاصَّةً، وَتَكُونُ “إِلَّا “ فِيهِ بِمَعْنَى “لَكِنْ“، فَقَوْلُهُ‏:‏ “إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا “ مِنْهُ- وَمَعْنَاهُ‏:‏ وَلَكِنْ قُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏ فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا الْمَعْرُوفَ مِنَ الْقَوْلِ فِي عِدَّتِهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَا أَذِنَ لَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُهُ‏:‏ “إِنْ رَأَيْتِ أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ“‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِي التَّعْرِيضَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِي التَّعْرِيضَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏ إِلَى ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَيَقُولُ‏:‏ “وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَأَكْفَاءٌ كِرَامٌ، وَإِنَّكُمْ لَرَغْبَةٌ، وَإِنَّكِ لَتُعْجِبِينِي، وَإِنْ يُقَدَّرْ شَيْءٌ يَكُنْ“‏.‏ فَهَذَا الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ، وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ- قَالَا جَمِيعًا، قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ “إِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي أَرْجُو إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَجْتَمِعَ“‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ “إِنَّ لَكِ عِنْدِي كَذَا، وَلَكِ عِنْدِي كَذَا، وَأَنَا مُعْطِيكِ كَذَا وَكَذَا“‏.‏ قَالَ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ وَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، فَهَذَا كُلُّهُ نَسَخَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَرْأَةُ تُطَلَّقُ أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَيَأْتِيهَا الرَّجُلُ فَيَقُولُ‏:‏ “احْبِسِي عَلَيَّ نَفْسَكِ، فَإِنَّ لِي بِكِ رَغْبَةً، فَتَقُولُ‏:‏ “وَأَنَا مِثْلُ ذَلِكَ“، فَتَتُوقُ نَفْسُهُ لَهَا‏.‏ فَذَلِكَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ‏}‏، وَلَا تُصَحِّحُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ الْمُعْتَدَّةِ، فَتُوجِبُوهَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ، وَتَعْقِدُوهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ “حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ“، يَعْنِي‏:‏ يَبْلُغْنَ أَجَلَ الْكِتَابِ الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، فَجَعَلَ بُلُوغَ الْأَجَلِ لِلْكِتَابِ، وَالْمَعْنَى لِلْمُتَنَاكِحِينَ، أَنْ لَا يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْمُعْتَدَّةَ، فَيَعْزِمَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَيَبْلُغَ الْأَجَلَ الَّذِي أَجَّلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لِانْقِضَائِهَا، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ“، قَالَ‏:‏ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَتَزَوَّجُهَا حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَخَافَةَ أَنْ تَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏235‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ وَاعْلَمُوا، أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ هَوَاهُنَّ وَنِكَاحِهِنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَاحْذَرُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْتُوا شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ، مِنْ عَزْمِ عُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ، أَوْ مُوَاعَدَتِهِنَّ السِّرَّ فِي عِدَدِهِنَّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي شَأْنِهِنَّ فِي حَالِ مَا هُنَّ مُعْتَدَّاتٍ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ “وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ“، يَعْنِي أَنَّهُ ذُو سَتْرٍ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَتَغْطِيَةٍ عَلَيْهَا، فِيمَا تُكِنُّهُ نُفُوسُ الرِّجَالِ مِنْ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَذِكْرِهِمْ إِيَّاهُنَّ فِي حَالِ عِدَدِهِنَّ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، وَقَوْلُهُ‏:‏ “حَلِيمٌ“، يَعْنِي أَنَّهُ ذُو أَنَاةٍ لَا يُعَجِّلُ عَلَى عِبَادِهِ بِعُقُوبَتِهِمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏236‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ“، لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمِ النِّسَاءَ‏.‏

يَقُولُ‏:‏ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي طَلَاقِكُمْ نِسَاءَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ، “مَا لَمْ تُمَاسُّوهُنَ“، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ مَا لَمْ تُجَامِعُوهُنَّ‏.‏

“وَالْمُمَاسَّةُ“، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ الْجِمَاعِ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا جَمِيعًا، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الْمَسُّ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا يَشَاءُ بِمَا شَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الْمَسُّ‏:‏ النِّكَاحُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ “مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ“، بِفَتْحِ “التَّاءِ “ مِنْ “تَمَسُّوهُنَّ“، بِغَيْرِ “أَلِفٍ“، مِنْ قَوْلِكَ‏:‏ مَسَسْتُهُ أَمَسُّهُ مَسًّا وَمَسِيسًا وَمِسِّيسَى “ مَقْصُورٌ مُشَدَّدٌ غَيْرُ مُجْرًى‏.‏ وَكَأَنَّهُمُ اخْتَارُوا قِرَاءَةَ ذَلِكَ، إِلْحَاقًا مِنْهُمْ لَهُ بِالْقِرَاءَةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 47، سُورَةُ مَرْيَمَ‏:‏ 20‏]‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ‏:‏ “مَا لَمْ تُمَاسُّوهُنَّ“، بِضَمِّ “التَّاءِ وَالْأَلِفِ “ بَعْدَ “الْمِيمِ“، إِلْحَاقًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ‏:‏ 3‏]‏، وَجَعَلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصَاحِبِهِ مِنْ قَوْلِكَ‏:‏ “مَاسَسْتُ الشَّيْءَ أُمُاسُّهُ مُمَاسَّةً وَمِسَاسًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالَّذِي نَرَى فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، مُتَّفِقَتَا التَّأْوِيلِ، وَإِنْ كَانَ فِي إِحْدَاهُمَا زِيَادَةُ مَعْنَى، غَيْرُ مُوجِبَةٍ اخْتِلَافًا فِي الْحُكْمِ وَالْمَفْهُومِ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجْهَلُ ذُو فَهْمٍ إِذَا قِيلَ لَهُ‏:‏ “مَسَسْتُ زَوْجَتِي“، أَنَّ الْمَمْسُوسَةَ قَدْ لَاقَى مِنْ بَدَنِهَا بَدَنُ الْمَاسِّ، مَا لَاقَاهُ مِثْلُهُ مِنْ بَدَنِ الْمَاسِّ‏.‏ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ أُفْرِدَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الَّذِي مَاسَّ صَاحِبَهُ، مَعْقُولٌ بِذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ الْمَمْسُوسَ قَدْ مَاسَّهُ‏.‏ فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ لِإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِ مَعَانِيهِمَا، وَكَثْرَةِ الْقَرَأَةِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْأُخْرَى، بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ، بِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ، مُصِيبَ الْحَقِّ فِي قِرَاءَتِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏، الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الْإِفْضَاءِ إِلَيْهِنَّ فِي نِكَاحٍ قَدْ سُمِّيَ لَهُنَّ فِيهِ الصَّدَاقُ‏.‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْكُوحَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى اثْنَتَيْنِ‏:‏ إِمَّا مُسَمَّى لَهَا الصَّدَاقُ، أَوْ غَيْرُ مُسَمَّى لَهَا ذَلِكَ‏.‏ فَعَلِمْنَا بِالَّذِي يَتْلُو ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ذِكْرُهُ، أَنَّ الْمَعْنِيَّةَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏، إِنَّمَا هِيَ الْمُسَمَّى لَهَا‏.‏ لِأَنَّ الْمَعْنِيَّةَ بِذَلِكَ، لَوْ كَانَتْ غَيْرَ الْمَفْرُوضِ لَهَا الصَّدَاقُ، لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ‏:‏ “أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً“، مَعْنًى مَعْقُولٌ‏.‏ إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ قَائِلٍ‏:‏ “لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا طَلَّقْتُمِ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فِي نِكَاحٍ لَمْ تُمَاسُّوهُنَ فِيهِ، أَوْ مَا لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً“‏.‏ فَإِذَا كَانَ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ‏:‏ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ مِنْ نِسَائِكُمُ الصَّدَاقُ قَبْلَ أَنْ تُمَاسُّوهُنَ، وَغَيْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ قَبْلَ الْفَرْضِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏236‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ“، أَوْ تُوجِبُوا لَهُنَّ‏.‏ وَبِقَوْلِهِ‏:‏ “فَرِيضَةً“، صَدَاقًا وَاجِبًا‏.‏ كَمَا‏:‏ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏، قَالَ‏:‏ الْفَرِيضَةُ‏:‏ الصَّدَاقُ‏.‏

وَأَصْلُ “الْفَرْضِ“‏:‏ الْوَاجِبُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

كَـانَتْ فَرِيضَـةُ مَـا أَتَيْـتَ كَمَـا *** كَـانَ الزِّنَـاءُ فَرِيضَـةَ الرَّجْـمِ

يَعْنِي‏:‏ كَمَا كَانَ الرَّجْمُ الْوَاجِبُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا‏.‏ وَلِذَلِكَ قِيلَ‏:‏ “فَرَضَ السُّلْطَانُ لِفُلَانٍ أَلْفَيْنِ“، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ، وَرَزَقَهُ مِنَ الدِّيوَانِ‏.‏